خمسة أسباب ستمنع العواصم العربية من الاحتفال بسقوط طهران
الاستراتيجي يتفوق على الأيديولوجي دوماً... دول الخليج + مصر والأردن، لا ترحب بإسقاط النظام الإيراني
لعل العائد إلى تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان -قبل بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران في 15 يونيو/حزيران- يجد فيها موقفاً محذراً من النووي الإيراني وسياسات طهران، لكنَّ الإدانة السعودية ضد إسرائيل ما بعد الهجمات ازدادت ضراوة.
العاهل الأردني عبد اللّه الثاني -أحد أوائل المحذرين من “الهلال الشيعي”-، صعّدت دولته في إدانة الهجمات الإسرائيلية أيضاً، وذاتُ الأمر يلاحظ في مواقف الدول العربية في الخليج ومصر.
في حين يتزايد الصوت الإسرائيلي بضرورة إسقاط النظام الإيراني، وهو الصوت الذي بدأ يرتفع، مع الضربات الأولى التي أودت بقيادات عسكرية وعلماء نوويين في طهران.
أجل تَراجع الخطاب المطالب بإسقاط نظام طهران بعد الرد الإيراني المتكرر، لكن ما زالت الأصوات تظهر وتخبو، حتى إنَّ رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، بات آخر المنضمين للجوقة.
ستجدُ في المنطقة من سرّه ما آلت إليه طهران -وإن كان على يد إسرائيل-، وستجدُ أيضاً من يوافق على ضرورة عقاب “حكم الملالي” -كما يوصف ذماً-. لكن عندما تأتي للحسابات الاستراتيجية فحتى الدول العربية التي طالما اشتكت من أذرع إيران العسكرية، ومن دورها في أكثر من أزمة عربية -كالبحرين، واليمن، والعراق، وسوريا وغيرها-، فإنّها تعترض بقوة على إسقاط هذا النظام… وإليك أسبابها الخمسة:
الفوضى وغياب البديل:
كل الدول ترسم سياساتها، بتوقعِ هامشٍ من المخاطرة في قراراتها يمكن التعايش معه. بالتالي فإنَّ المخاطرة بقبول إسقاط النظام الإيراني، سيكون مجازفة كبيرة للدول العربية، إذ سيغيب البديل السياسي للنظام الإيراني، الذي مسك في مفاصل الدولة منذ الثورة عام 1979 وفقاً لأيدلوجية “ولاية الفقيه“، وقمع “التحرك الأخضر“ -الذي كان يشكل نواة حركة إصلاحية في البلاد- عام 2009، وقَمع لاحقاً التظاهرات النسوية/العرقية/المطلبية، بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني في المعتقل عام 2022. بالتالي فإن الحديث هنا عن نظام تمكّن من تنظيم الشكل الأمني في إيران، وغيّب أية معارضة من خارج النظام، ليؤطّرها صراعاً داخلياً بين جناحي الحمائم والصقور.
ورغم محاولات حفيد الشاه رضا بهلوي تشكيل معارضة من الخارج وتقديم نفسه بديلاً، لكن يبدو أن قبوله داخلياً منخفض بشكل كبير.
أيضاً، مع عدم وجود أيديولوجية ولا مجموعة بديلة للحكم، في ظل مجتمع متعدد الأعراق، بين:
الفرس الذين يشكلون النصف تقريباً
والأذريين من العرق التركي، الذين يتكلمون لغتهم، وهم من الشيعة الإثني عشرية وهم يشكلون الربع.
والبقية المتوزعين بين الأكراد، والعرب، والبلوش، ولهؤلاء مطالب قومية، يسعى بعضهم لتحقيقها، ولو بالسلاح، وتعتبر نفسها أقليات مقموعة من طهران.
يشي هذا التنوع الغني، وعلائقيته الهشة بالمركز، أنَّ البديل للنظام هو الفوضى التي ستكون على تخوم الدول العربية، ويزيد العبء الأمني عليها.
المجموعات الشيعية المسلحة
إيران، أنفقت الكثير من الأموال، والرصيدِ السياسي، لتأسيسِ أو خلقِ تحالفات مع مجموعات مسلحة في العالم العربي، لتدخل في علاقة عضوية مع حزب اللّه اللبناني، وعلاقة إدارة مع الفصائل العراقية المسلحة التي نشأت في كنفها قبيل الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وبعده. وفي علاقة تحالف مع حركة “حماس” وتحالف من منظور التصور الإيراني للخليج، الموصوف بـ “الفارسي” في أدبياته، وفي الغرب أيضاً، مع جماعة “أنصار الله الحوثي“.
بعض هذه المجموعات نشطت في معارك الحرس الثوري الإيراني في مناطق مختلفة أبرزها سوريا، وكانت طهران دوماً تغذي تلك تلك المجموعات تمويلاً، أو تكنولوجياً.
هذه البنى، أو تلك التي دعمتها -وأبرزها فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني- وبحكم خبرتها في دعم مجموعات مسلحة، ستعيد، هذا الخيار الاستراتيجي بتفعيل نشاط مثل تلك المجموعات، التي انكفأت بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتستفيد من فضاء جغرافي متنوع على امتداد 1.6 مليون كم²، مع مظلومية متراكمة، مراكمة الضغط على جيران الإيرانيين بمجموعات مسلحة فصائلية على تخومها.
مضيق هرمز:
لك أن تتخيل وجود مجموعات مسلحة كتلك، أو عدة جماعات مثل جماعة الحوثي في اليمن، تستهدف السفن المارة من مضيق “هرمز” الذي يمر منه ربع استهلاك العالم تقريبا من النفط.
هذا بحد ذاته، أزمة لدول الخليج التي ستحاصر عملياً من البحر، كما أنّه يثير المخاوف من تزايد عمليات القرصنة إذا غابت الحكومة المركزية، وسيطرت مجموعات مسلحة على تلك البقعة الاستراتجية.
خلال حقبة تزايد القرصنة في الصومال 2005-2012 التي صُوّرت في فيلم “الكابتن فيليبس”، المستند على قصة حقيقية، ومن بطولة الممثل العالمي توم هانكس، كانت تكلفة الموارد الإضافية التي يتسبب بها نهب القراصنة لكل 120 مليوناً، تتراوح من 90 مليوناً إلى 3 مليارات دولار تقريباً، وذلك عبر رفع كلفة الحماية والتأمين، والتخزين… إلخ.
فهذه صورة أولية عما ستؤول إليه الأوضاع، ولذا تعارض الدول العربية أيضاً إسقاط النظام في إيران.
تفرد إسرائيل
لم تكتف إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بشن حربها في غزة بغية هزيمة حماس، ولا باستهداف وإضعاف حزب اللّه في عملية أمنية معقدة أودت بمعظم قيادات الحزب، بما فيها الأمين العام حسن نصر اللّه، ودفعت إلى اتفاق، قد يعد تحولاً مع لبنان، وتوسعت في تخوم الآراضي السورية، بعد إسقاط نظام بشار الأسد.
بل يقوم كل هذا على رفع القدرات الردعية لإسرائيل، لتشكل نظاماً إقليمياً جديداً. وهذا انعكس في خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي -رغم تكراره المديح لدول الخليج واعتبارها نماذج للدول العربية (كما يجب)-، فإن اختلال ميزان القوة، بهذا الشكل الصارخ، يجعل الدول العربية (الخليج زائد مصر والأردن)، تنظر بعين الريبة للمساعي الإسرائيلية القادمة على التفوق الردعي.
فغياب الردع، واختلال التوازن العسكري، سيتعزز لصالح الإسرائيلين إذا ما أسقطوا النظام الإيراني.
الاستقواء على أنظمتها
لطالما اعتقدتُ أنَّ اللحظة الفارقة للربيع العربي عام 2011، بدأت على مقصلة إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في 30 ديسمبر/كانون الثاني 2006، حين انهارت فكرة “النظام الذي لا يسقط“.
اغتيال الرئيس المصري أنور السادات (6 أكتوبر/تشرين الأول 1981)، لم تتحول، كما رغب منفذو الاغتيال، إلى ثورة شعبية… لكن في حالة صدام فقد انتهى النظام. وكان العنوان أن هذه الأنظمة العربية قابلة للسقوط.
الحال ينطبق على النظام الإسلامي في إيران، كما يصف نفسه، حيث إنَّه بنى قوته على أساس هندسة اجتماعية، غيّرت تحالفات الدولة، وبنيتها الاجتماعية العائدة للدولة، لكنها في الوقت نفسه، استمدت تقاليدها العريقة المؤسسية في الدولة وإدارتها التي تعود للحضارة الفارسية.
بالتالي إذا سقط هذا النظام، الذي شكل تحولاً كبيراً في المنطقة حين قَدِم إلى السلطة عام 1979، مع هبوط طائرة زعيمها آية الله روح اللّه الخميني من باريس، الذي قام على حرس ثوري قوي، ونظام استخباراتي وَرِث النظامَ القوي المعروف بـ “السافاك“، وعُرف بـ “البسيج“، لا بل عمل على أسلمته، وإعطائها بُعداً أيديولوجياً… فسقوطه سيعزز فشل أسطورة الأنظمة التي لا تسقط، سواء بثورة داخلية أم بتدخل خارجي، وبالتالي ستكون هذه الدول القومية الحديثة لما بعد عهد الاستقلال، على شفا مرحلة جديدة.
Very logical analysis of the situation.
👍